*** سفر المكابيين الأول .. نبذه عنه .. اصحاحاته ***
سِفرا المكابيين الأول والثاني هما آخر أسفار التوراة.
وقد جاءا ضمن قائمة الأسفار القانونية للعهد القديم الواردة في قوانين الرسل (=انظر القانون رقم 85) والتي أثبتها الشيخ الصفي بن العسال في كتابه (مجموعة القوانين - الباب الثاني).
وورد السفران في الترجمة السبعينيّة للتوراة التي تمَّت في الإسكندرية عام 280 ق.م.
والتي مازالت أقدم نسخها الخطيّة موجودة حتى الآن؛
وهي النسخة السينائيّة والنسخة الأسكندرية والنسخة الفاتيكانية،
وكلها تقريباً من القرن الرابع الميلادي.
وقد قال القديس مار أفرام
أن سفريّ المكابيين الأول والثاني كانا موجودين في الترجمة السريانية علاوة على وجودهما في الترجمة اليونانية السبعينيّة (=راجع كتاب مشكاة الطلاب في حل مشكلات الكتاب - طبعة 1919 ص167).
هذا، وقد جاء ذِكر هذين السفرين في الترجمة القبطية بلهجاتها المختلفة، وهي أقدم التراجِم بعد السبعينيّة.
كما ذكر هذان السفران أيضاً في نسخة توراة (الولجاتا)، وهي نسخة التوراة القديمة المُعتمَدة لدى الكنيسة الكاثوليكيّة. هذا، وقد أشرنا من سابق (وعلى الأخص في المقدمة العامة للأسفار القانونيّة التي كتبناها في هذا الموقع) إلى المجامع العديدة التي أقرَّت صِحَّة هذين السفرين، وكذا صحة باقي مجموعة الاسفار القانونيه الثانيه التي حذفها البروتستانت.
وقد كان عدد أسفار المكابيين التي تحدَّثَت عن تاريخ إنتصار اليهود على أعدائهم ومستعمريهم وإستقلالهم كأمّة بقيادة الأسرة الماكبيّة، هو خمسة أسفار،
لم تقبل منها الكنيستان الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة إلا السفرين الأول والثاني فقط،
وهما السِّفران القانونيّان المشهود بصِحَّتهما.
وقد أصدر مجمع "ترينت" للكنيسة الرومانية الكاثوليكيّة المنعقِد في عام 1546 قراراً أيضاً بهذا المعنى، خصوصاً وقد ثبت أن مادة الأسفار الثلاثة الباقية غير مقبولة ومشكوك في صحة إنتسابها إلى الوحي الإلهي.
هذا، وبرغم تنكُّر البروتستانت لصِحَّة هذين السفرين،
فقد ورد في بعض كتبهم ما يشير إلى عظمة مُحتوى السفرين.
فقد جاء في كتابهم (مرشد الطالبين إلى كتاب الحق الثمين - طبعة بيروت 1937 ص303) عن سفر المكابين الأول أنه "يحتوي مواد تاريخيّة عظيمة الأهميّة"،
كما جاء في نفس الكتاب ص306 "يروي هذا السفر الجهاد الباسل الذي قام به خمسة أبناء متياس الكاهن على ملوك سورية وإستمر ثلاثاً وثلاثين سنة من عام 168 حتى 135 ق.م.
أما عن سفر المكابيين الثاني،
فقد وصفه نفس المرجع السابق ص307 بقوله "يتضمَّن هذا السفر التاريخ اليهودي من حوالي سنة 175 إلى سنة 160 ق.م.
مسبوقاً برسالتين من السلطة الكهنوتيّة في اورشليم إلى اليهود الذين في مصر تحانِثهم على إعتبار الهيكل على جبل صهيون مركز الخدمة الدينيّة وتدعوانهم إلى حضور عيد التدشين.
والقسم التاريخي منه
يصف الإضطهاد الشديد الذي جرى في عهد "أنطوخوس أبيغانس" وما جرى ليهوذا وإنتصاره"..
وفي الكتاب البروتستانتي "جغرافية الكتاب وتاريخه - تأليف تشارلز فوستر كِنت - طبعة بيروت 1923 -ص181-208، يستهِد الكاتِب في أقواله بالكثير مما تضمنّه هذان السِّفران.
وعلى سبيل المثال يتحدَّث فيما ذكره عن أسباب الحرب المكابية ص184،183 عن نفس ما ورد في الإصحاح الأول من سفر المكابيين الأول.
وفي صفحتيّ 185،184 يتحدَّث الكاتب فيما ذكره (مودين - الشرارة الأولى للعصيان) عن نفس ما ورد في 1مك2.
وفي ص186،185 حيث يتحدث عن (أخلاق يهوذا وعمله - وعقبة بين حوردن) يستشهد بما جاء في 1مك3، وهكذا نجد الكاتب يملأ صفحات كتابه من ص181-208 بأحاديث منقولة نقلاً مباشراً تقريباً، وبترتيب متطابِق ليس فيه إعمال أو إجتهاد من سفريّ المكابيين، بما لا يدع مجالاً للشك أن الكاتِب يثِق كل الثِّقة في قانونية وصدق وصحة هذين السفرين اللذين تتفق الحوادث والأماكن والأشخاص والمواقيت الموجودة فيها مع الحقيقة المجرِّدة المُتعارَف عليها ومع ما هو منطبِع في ذهن الكاتِب المؤرِّخ من دقائق علميّة وتاريخيّة وجغرافيّة.
وهناك دلائل كثيرة تؤكِّد صحة هذين السفرين وقانونيّتهما؛
ذلك أن الكثير من آباء الكنيسة من قديسي الأجيال الأولى
قد إستشهدوا في كتبهم وعِظاتهم وكتاباتهم إستشهاداً مباشراً مما ورد فيها.
فالقديس إغريغوريوس الثاؤلوغوس كتب مقالاً عن سفريّ المكابيين.
ويوحنا ذهبى الفم كتب ثلاث مقالات في مدح المكابيين.
والبابا اثاناسيوس الرسولي في كتابه (تفسير دانيال) إستشهد بهذين السفرين.
وغير هؤلاء نجد أن القديسين إكليمندس الاسكندري، وترتليانوس وكبريانوس وأغريغوريوس النزنزي وأمبروسيوس وكيرلس وإيرونيموس ومار أفرام قد نقلوا عن هذين السفرين في كتاباتهم وأقوالهم.
وأكثر من هذا،
فإن هناك عدة إقتباسات من هذين السفرين ذُكِرَت في أسفار العهد القديم والجديد.
ومعنى هذا
أن سفريّ المكابيين في نظر كُتَّاب أسفار الوحي سِفران قانونيّان صحيحان موحى بهما.
وقد جاءت شهادات الصالحين القريبي العهد من الرسل مِصداقاً لذلك.
بل إن الإسرائيليين الذين كانت لغتهم يونانية كانوا يقرأون هذين السفرين في إجتماعاتهم في زمان الشتات، وكانا عندهم من بين الكتب المقدسة.
ولعل نبيّاً كدانيال (=الذي إعتبر سفره من الأسفار التي جمعها عزرا) حينما يتنبَّأ بالأعمال التي جاءت في هذين السفرين، يُصادِق ويختم بنبوّته هذه على أن السفرين صادقان وموحى بهما.
فهو في (دا3:11-32) إذ يتحدَّث عن السفن التي تأتي من كِتِّيم (=التي هي جزيرة قبرص) إنما يتنبَّأ عن الاكسندر المقدوني الذي خرج من أرض كتيم وأوقع بداريوس ملك فارِس (انظر 1مك1:1 - وقابله بما ورد في دا3:11)،
وإذ يتحدَّث عن الأذرع التي تقوم منه وتنجِّس المقدس الحصين، إنما يتنبأ ومن بينهم أنطوكيوس الشهير الملقب في سفر المكابيين الأول (الجرثومة الخبيثة) الذي صعد إلى أورشليم بجيش كثيف ودخل المقدِس بتجبُّر وأخذ ما فيه من ذهب وفضة وأوانٍ مقدسة نفيسة ومجامر وأكاليل وكنوز وحلى وسفك الدم الزكيّ ونجَّس المقدس (انظر 1مك7:1، 11، 22-25 - وقابل هذا بما ورد في دا31:11).
وبعد أن تنبأ دانيال بالأعمال التي يعملها أنطوكيوس، نجده يتحدث مُمْتَدِحاً فضل المكابيين وغيرتهم بقوله "أما الشعب الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون. والفاهِمون من الشعب يعلمون كثيرين ويعثرون بالسيف واللهيب وبالسبي وبالنَّهب أيّاماً.." (دا32:11، 33).
وبالإضافة لما جاء في سفر دانيال،
نجد أن كتبة أسفار العهد الجديد قد إقتبسوا من سفريّ المكابيين:
1- قول يوحنا البشير عن عيد التجديد
"وكان عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء" (يو22:10) إنما هو قول لم يشترك فيه أحد من البشيرين سواه.
وعيد التجديد
الذي يتحدَّث عنه يوحنا، إنما يشير إلى العيد الذي رسمه يهوذا المكابي في اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسِع (1مك59:4) ترتيباً على ما عمله من تطهير الهيكل وتجديده؛ حيث ورد في السفر قوله عن يهوذا المكابي ورِجاله:
" وان يهوذا واخوته قالوا ها ان اعداءنا قد انسحقوا فلنصعد الان لتطهير المقادس وتدشينها. فاجتمع كل الجيش وصعدوا الى جبل صهيون..
فطهروا المقادس ورفعوا الحجارة المدنسة الى موضع نجس. ثم ائتمروا في مذبح المحرقة المدنس ماذا يصنعون به.
فخطرت لهم مشورة صالحة ان يهدموه لئلا يكون لهم عارا لتدنيس الامم اياه فهدموا المذبح. ووضعوا الحجارة في جبل البيت في موضع لائق الى ان ياتي نبي ويجيب عنها.
ثم اخذوا حجارة غير منحوتة وفاقا للشريعة وبنوا المذبح الجديد على رسم الاول. وبنوا المقادس وداخل البيت وقدسوا الديار. وصنعوا آنية مقدسة جديدة وحملوا المنارة ومذبح البخور والمائدة الى الهيكل.." (1مك36:4-49).
وهذا القول ينطبق ويتطابق تماماً مع ما ورد عن يهوذا المكابي (2مك1:10-
، حيث يقول: "اما المكابى والذين معه، فبامداد الرب استردوا الهيكل والمدينة. وهدموا المذابح التي كان الاجانب قد بنوها في الساحة وخربوا المعابد، وطهروا الهيكل وصنعوا مذبحا اخر واقتدحوا حجارة اقتبسوا منها نارا وقدموا ذبيحة.. واتفق انه في مثل اليوم الذي فيه نجست الغرباء الهيكل في ذلك اليوم عينه ثم تطهير الهيكل وهو اليوم الخامس والعشرون من ذلك الشهر الذي هو شهر كسلو. فعيّدوا ثمانية ايام بفرح.. ورسموا رسما عاما على جميع امة اليهود ان يعيدوا هذه الايام في كل سنة."
2- قول بولس الرسول في العبرانيين عمَّن عُذِّبوا بسبب تمسكِهم بديانتهم وعقيدتهم
".. وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة افضل. وآخرون تجربوا في هزء و جلد ثم في قيود ايضا وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم. تائهين في براري وجبال و مغاير وشقوق الارض.." (عب35:11-38)،
إنما يقصد به أولئك الأتقياء الذين عذَّبهم أنطيوكس الملك وفيلبس وكيله الذي عيّنه على مدينة أورشليم في أيام المكابيين أمثال مَنْ كانوا يُساقون قسراً كل شهر يوم مولد الملك للتضحية والقتل (2مك7/6). وأمثال المرأتين اللتين سُعيَ بهما أنهما ختنتا أولادهما فعلّقوا أطفالهما على أثديهما وطافوا بهما في المدينة علانية ثم ألقوهما عن السور (2مك10:6). وأمثال أولئك القوم الذين لجأوا إلى مغاور لإقامة السبت سراً فوشي بهم إلى فيلبس فأحرقوهم بالنار (2مك11:6).