تفسير سفر يهودت
الإصحاح الثالث
بقية البلاد ترسل إلى أليفانا تطلب الأمان .
فيدخلها و يتزود منها بالجنود و المؤن و العتاد .
1وأَرسَلوا إِلَيه رُسُلاً يَحمِلونَ كلامَ سَلامٍ2 وَيقولون: (( ها إِنَّنا عَبيدُ نَبوكَدْنَصَّرَ المَلِكً العَظيمِ بَينَ يَدَيكَ. فآعمَلْ بِنا كَما يَحسُنُ لَدَيكَ،3 وها إِنَّ حَظائِرَنا وكُلَّ أَرضِنا وجَميعَ حُقولِ قَمحِنا وقُطْعانَ خِرافِنا وبَقَرِنا ومَرابِضَ مُخَيَّماتِنا بَينَ يَدَيكَ، فآعمَلْ بِها كَما يَطيبُ لَكَ.4 وها إِنَّ مُدُنَنا أَيضاً والسَّاكِنينَ فيها عَبيدٌ لَكَ، فتَعالَ وآدخُلْها كَما يَروقُ في عَينَيكَ )).5 ووَصَلَ الرِّجالُ إِلى أَليفانا وبَلَّغوهُ بِحَسَبِ هذا الكَلام
يصور لنا السفر هنا ، فى عرض شيق بخبره يهودى وطنى ، كيف إرتجت الأمم و الممالك خوفا ً من الدمار و الخراب المتعجل فى طريقه إليها ، فقد وصلت أنباء الحملة الكاسحة إليهم ، فأرسلوا يسترضون وجه العدو ! لقد أرسلوا يصطلحوا مع قوى الشر فى العالم ، و لكن أولاد الله لهم ثقة به ، إنه قادر على تخليصهم من العدو مهما بلغت سطوته و جبروته ، و مادام الذين أرسلوا إلى نبوخذ نصر يطلبون الآن منه هم عبدة البعل و التنين و عشتاروت ، فليخضعوا الآن لإنسان قد ألّه نفسه ( نبوكد نصر تثيوس ) أى نبوخذ نصر المؤله ، إنهم بذلك يقبلونه إلهاً لهم !! .
و الكاتب هنا يصور لنا عمق مذلة تلك الأمم ، و المهانة الكبرى الواضحة من طريقة عرض الإستسلام و الخضوع ، حيث يضعون أولادهم و ممتلكاتهم تحت تصرفه .
. 6 ثُمَّ نَزَلَ هو وجَيشُه إِلى الشَّاطِئ وأَقامَ حَرَساً في المُدُنِ المُحَصَّنة وجَنَّدَ نُخبَةً مِنَ الرِّجالِ يساعِدونَه.7 فآستَقبَلَه هؤُلاءِ وكُلُّ النَّاحِيَةِ المُجاوِرَة لَهُم بِالأَكَاليلِ وأَجْواقِ الرَّقْصِ والدُّفوف.8 فدَمَّرَ جَميعَ مَعابِدِهم وقَطَّعَ غاباتِهِمِ المُقَدَّسة، فقَد عُهِدَ إلَيهِ بأَن يُبيدَ جَميعَ آِلهَةِ الأَرض لِكَي تَعبُدَ الأُمَمُ جَميعاً نَبوكَدْنَصَّرَ وَحدَه وتَدعُوَه إِلهاً جَميعُ أَلسِنَتِهم وأَجْناسِهِم. 9 ووَصَلَ أَمامَ يِزْرَعيل بِالقُرْبِ مِن دُوتائينَ الَّتي قَبلَ سِلسِلَةِ جِبالِ اليَهودِيَّةِ الكَبيرة 10 وعَسكَروا ما بَينَ جَبْعَ وبَيتَ شان، وأَقامَ هُناكَ طَوالَ شَهر لِيَجمَعَ أَمتِعةَ جَيشِه كُلِّها.
إزداد بذلك تشامخ قلب أليفانا ، فإنطلق بجيوشه فى سعادة غامرة ، فلن يتكلف فى بقية الحملة قتيلا ً أو جريحا ً واحدا ً من جنوده ، فقد تحققت آمال سيده و إنصهرت الأمم بين يديه بلا قيد أو شرط ، فمسح تلك المنطقة و تزود بكل ما يحتاجه من الرجال و العتاد و المؤن .
و قد حرص أليفانا على تدمير معابد تلك البلاد و قطع الغابات المقدسة و ربما يقصد بالغابات المقدسة المساحات الخضراء التى يقام فيها بعض العبادات مثل العبادات التى كانت بين الوثنيين تحت الشجر و بجواره ، و قد كان قاسيا ً فى ذلك ، حيث أن الكثير من الفاتحين حرصوا على إسترضاء آلهة البلاد التى يفتتحونها ، و قيل عن الإسكندر الأكبر أنه كان يذهب من فوره عقب إفتتاحه لبلد من البلاد ، إلى معبد تلك البلد لكى يقدم شكر لذلك الإله لأنه سمح له بدخول بلاده !! .
عند هذا الحد كان أليفانا قد وصل إلى سهل يزرعيل ( عبرى = الله يزرع ) و يوجد أكثر من موضع سمى بهذا الأسم ، و لكن يرزعيل المقصود هنا ، هو سهل كبير على شكل مثلث يقع بين البحر المتوسط و الأردن ، و من الكرمل و جبال السارة إلى جبال الجليل ، أو من حيفا الحالية إلى بيت شان ( بيعان ) و قد سمى يوسيفوس هذا السهل بالسهل الكبير كما ورد فى بعض المواضع سهل مجدو و يوجد بهذا السهل أودية كثيرة ، كما أن أغلب الطرق الهامة متصلة به ، لا سيما الطرق الرئيسية بين فينيقية و مصر ، حيث كان الغزاة يتسللون عبره إلى أورشليم و مصر جنوبا ً ، و يعتبر وادى يزرعيل مفتاح أورشليم و مدخلها حيث يشمل :
1. الوادى الواقع بين سهل شارون و جبل الكرمل من الجنوب الشرقى
2. طريق السامرة المار بمجدو .
3. سهل دوثان العريض .
و السهل الأخير معناه ( آبار ) و يسمى هنا دوثائين ، و هو قرية تقع بالقرب من السامرة و شكيم بجوار البئر الذى وهبه يعقوب ليوسف .
+ + +
و هكذا فقد كانت هذه الإصحاحات الثلاثة عبارة عن تمهيد للمجابهة بين اليهود و الأشوريين ، و الكاتب يعرض فيها بشىء من الإسهاب :
1) قوة جيش الأعداء بمراكبهم و فرسانهم و جنودهم التى خرجت من بلادهم مضاف إليها ما إنضم من البلاد التى سقطت فى قبضتهم .
2) رعب تلك البلاد و سقوطها الواحدة تلو الأخرى و دمارها و قتلاها و إستسلام البلاد الأخرى .
3) سقوط معابد و آلهة تلك الأمم ببساطة تحت أقدام خيول أليفانا و سمو نبوخذ نصر كإله و سيد للأرض !
كل ذلك ذكر عن قصد ، كأرضية للنصر الهائل لليهود على أعدائهم و هم الأقوياء ، و لكى يظهر ( الله ) إلها ً للآلهة ، و لإسرائيل إله وطنى قومى .
__________________
اتمنى ان يعجبكم الموضوع